مجاهد أبو الهيل
لا بد ان نعترف ان رياح الانتصارات العراقية المتلاحقة التي اسقطت رايات داعش السوداء وابطلت تكهنات جنرالات البنتاغون الاميركي التي رفعت السقف الزمني الى عدة اعوام، هذه الانتصارات لم تأتِ من السماء وان المعركة ليست لعبة سياسية اوشكت على النهايات، انما هناك ثلاثة عناصر موضوعية ساهمت في صناعة تلك الانتصارات وخفضت من سقوفها الزمنية الى ادنى من المتوقع .
كما انه ليس من المجدي ولادة سجال جديد بشأن عراق ما بعد داعش ، لان من صنع النصر بإمكانه الاحتفاظ به او صناعة نصر اخر في مجال اخر، اذ تنشغل بعض النخب السياسية والاعلامية عن الاحتفال بتلك الانتصارات بسجالٍ غير مجدٍ يقترب من صناعة وهم جديد تحت مسمى عراق ما بعد داعش، هذا الوهم تمت تربيته في اذهان الخاسرين او الذين فاتتهم حلاوة المشاركة في صناعة النصر او الذين لم يدركوا اللحاق بساحة المعركة نتيجة تخاذل او عدم ايمان بقدرة الماكنة المحلية العراقية على تحرير المدن من قبضة الارهاب.
العناصر الثلاثة او مثلث النصر الذهبي جميعها عراقية الصنع تعمل حسب التوقيت الامني والعسكري لاقدام القوات الامنية العراقية وسواعد ابنائها السمر
كما ان الكتابة عن تلك العناصر الثلاثة ليس من باب الببروكاندا السياسية انما هو تكليف وطني واخلاقي بإشاعة الفرح الذي يشبه اجماع العراقيين على الفرح حينما يسجل منتخبهم الوطني لكرة القدم هدفاً في مرمى الخصم فكيف اذا توالت اهداف العراقيين في مرمى الخلافة الممزق؟
كذلك لا يحق لنا اختصار صناعة النصر بهذه العناصر الثلاثة فقط لأن الجميع شارك في ذلك وساهم فيه لكن العناصر الثلاثة التالية كانت مهمة جدا وفاعلة لدرجة صناعة النصر.
السيستاني .. مدافع فتوى اية الله
تقف فتوى المرجع السيد علي السيستاني في اعلى هرم مثلث النصر الذهبي، حيث أسقطت هذه الفتوى كل حسابات داعش الارهابي ورهاناته على الاطاحة برأس العراق وحمله على رماح الغزاة ليطوفوا به على شاشات العالم، اذ لم يتوقع تنظيم داعش الارهابي ان جملة من عدة اسطر تصدر من منزل لا يتجاوز المائة متر في احد ازقة النجف البسيطة ستسقط دولة الخلافة وتبطل أوهام الخليفة الذي كان يعد الزمن بعقارب ساعته الرولكس ليصل الى بغداد ويعلنها عاصمة لدولته القادمة لكن عقارب ساعة المنزل البسيط المعلقة على حائط آيل للنهوض في بيت المرجع السيستاني كانت اسرع من ساعة الخليفة السويسرية الصنع، اذ اعلن فتواه التاريخية لتلتقط الوطن من ياقته قبل ان يسقط في مستنقع الخليفة الموهوم.
كانت فتوى النصر التي اطلقها المرجع السيستاني بمثابة ساعة الصفر لانطلاق العملية العسكرية التي كانت اقسى على داعش من كل طائرات التحالف الدولي وترسانتها الصاروخية اذ دكت "مدافع فتوى اية الله " اوكار داعش الارهابي بوابل من التضحيات الجسيمة والدماء السمراء لابناء العراق من جيش وطني وحشد شعبي وشرطة غيورة وغير تلك القوى التي اتحدت جميعها تحت راية العراق لانتشاله من رايات الزيف والظلام .
ان تفكيك الدلالات الوطنية والعسكرية لتلك الفتوى سيجعلها بمثابة وثيقة وطنية تنبئ بعراق قادر على استعادة ذاته من ركام الازمات المتلاحقة خصوصاً وهي تسكب الماء لإطفاء نيران الفتنة الطائفية التي التهبت في اذيال المجتمع العراقي لتتصاعد منها السنة الدماء وعويل الضحايا، لكن تلك الفتوى بطعمها الوطني ارجعت العراقيين الى معدنهم الوطني وحقيقتهم الصادقة وعلمتهم كيف يحملون بنادقهم بيد ويطعمون الاهالي باليد الاخرى بالاضافة الى قيامه بأنسنة الحرب من خلال اصداره مدونة اخلاق المعركة التي حملت في ثناياها مفاهيم قيمية كبيرة تطرح الاسلام بطريقة احرجت اسلام الدولة الداعشية المزيف.
العبادي .. ان مع العسر يسرا
لا تكمن قوة العبادي في تواجده في ساحات المعارك بشكل متواصل فحسب انما في قدرته على إعادة صياغة المشهد السياسي من جديد وتصفير الازمات مع دول الجوار وإعادة العراق الى احضان المجتمع الدولي وادانة محاولة عزله عن محيطه العربي والاقليمي، وتوفير مناخ سياسي سليم تمهيدا لمعركة الوطن ضد الارهاب بنسخته الداعشية الجديدة بعد ان اختنقت سماء العملية السياسية بغيوم الاحتقان الطائفي والصراع السياسي مما ولّد بيئة سياسية معقدة وازمة محلية تشظّت بشكل مخيف موزعة عناصرها على دول الجوار حسب التبعية الايديولوجية.
أعلن العبادي القائد العام للقوات المسلحة بداية المعركة مستخدما كل الادوات العراقية لصناعة النصر وتحرير الانسان قبل الارض اذ احتل الشأن المدني والانساني الحيز الاكبر من تفكير العبادي في المعركة لدرجة انه منح وسائل الاعلام مادة ساخنة للشائعات بعدم جديته في ادارة المعركة عسكرياً، ولا انسى ذلك يوم كنت معه في معركة الفلوجة مدينة المآذن التي اتخذها تنظيم داعش الارهابي عاصمة معنوية لخلافته المشؤومة، اذ أعلن العبادي ان المعركة قد تتباطأ حفاظا على ارواح المدنيين وكيف تلاقفت وسائل الاعلام الاجنبية والمحلية الصفراء الخبر وتحويله الى مادة اخرى للتداول مفادها " ان العبادي يؤجل حسم المعركة لصعوبتها" حتى انه لم يشفع للعبادي تواجده في الصفوف الامامية لجبهات القتال لابطال تلك الشائعة، كذلك يجرني الحديث عن معركة الفلوجة للحديث عن حكمة العبادي ودقته في ادارة المعركة اذ كان يناقش جنرالات الجيش العراقي بالخرائط العسكرية التي كان يحفظها عن ظهر قلب، كما ادهشتني شجاعته يوم وجدت نفسي مع العبادي والمقاتل الفريق عبد الوهاب الساعدي وعدد قليل من ابطال جهاز مكافحة الارهاب، على سطوح احد منازل الفلوجة التي لم تتحرر بعد من عفونة رايات داعش السوداء التي تحركها رياح التحرير القادمة من وقع اقدام قواتنا الامنية حيث اصر القائد العام للقوات المسلحة ان يتوغل الى اعماق المدينة للاشراف المباشر على سير المعركة المقدسة.
في نهاية المطاف فر الخليفة الموهوم وامراء دولته الى جهة مجهولة من زوايا التاريخ و استطاع الخليفة الشرعي -والمؤقت للعراقيين بحكم العملية الديموقراطية - "ابو يسر العبادي " ان يكون مصداقا واقعيا للآية الكريمة " ان مع العسر يسرا "
القوات الامنية .. مدونة التحرير والنصر
ليس من حق احد ان يتنكر للملاحم البطولية للعراقيين شعباً واجهزة امنية بكل صنوفها وسحنات وجوه مقاتليها، حيث دوّن العراقيون بدمائهم الطاهرة على سجلات التاريخ اروع الملاحم واصدقها للتعبير عن شجاعتهم ووحدتهم الوطنية وعراقيتهم التي ابطلت رهانات الطائفية والمناطقية والقومية، وإلا ما الذي يدفع ابناء القرى الجنوبية المنسية في كتب الجغرافيا للتطوع في صفوف الحشد الشعبي او الجيش العراقي والشرطة الاتحادية للدفاع عن مدنٍ لم يقرأوا عنها إلا في الكتب المدرسية؟
حيث قاتل جنود العراق المنسيين عدواً شرساً ومتوحشاً حد اللعنة في شوارع لم يسيروا عليها ذات يوم بكل بسالة وتماهٍ مع اهالي تلك المدن التي احتلها داعش على حين غفلةٍ من يقظتنا الوطنية.
لماذا توجه العديد من ابطال القوات العراقية للاستشهاد في جبهات القتال، مغادرين احضان امهاتهم ومخادع زوجاتهم و صفحاتهم على " فيس بوك " دون كلمة وداع او كتابة " بوست " النصر الاخير؟
امتلأت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بصور الشهداء وعبارات النعي والوفاء من اصدقائهم او دموع حبيباتهم المفجوعات دون ان يستطعن التعبير المباشر عن تلك الفجيعة خوفاً من اخوتهن المتواجدين -كذلك- في جبهات القتال، كعادة البنات العراقيات في تربية الخجل وصناعة الحياء.
الاجابة عن هذه الاسئلة وغيرها ستكون مادة دسمة تملأ صفحات مدونة النصر والتحرير التي سيقرأُها اهالي المدن المحررة ذات عراق خالٍ من راياتٍ سود ..
لكن يبقى السؤال مفتوحا امام اهالي تلك المدن و اعضاء مجالس محافظاتها وممثلي المدن المحررة في البرلمان القادم وسياسييها، هل سيحفظوا اسماء هؤلاء الفتية الذين آمنوا بوطنهم فسقوا ارضه بدمائهم السمراء القادمة من اعماق الازقة المنسية والقرى المهملة في خرائط الوطن ؟
http://iqnews.org/index.php?do=view&type=news&id=7889&lang=ar